رسالة من رئيس الشركة
رسالة من رئيس الشركة
فن المحاماة من المنظور القضائي.
مقدمة:
على عكس طبيعة المهن الأخرى، فإن مهنة المحاماة هي أحد أشكال الفنون السامية. ولطالما كانت من أنبل المهن وأكثرهم تبجيلًا. هي وسيلة لكشف الحقيقة وتحقيق العدالة وإحدى سٌبل ازدهار الحياة. ونظرًا لأن ممارسة مهنة المحاماة تُعد فنًا، فهي تتطلب بالضرورة التمتع بالموهبة.
تشتمل هذه الموهبة على عدة جوانب ومبادئ نابعة من كيان المحامي وهي التي تحدد سمات شخصية المحامي/المحامية المثالية. يمكن للمحامي تحقيق نجاحات لا مثيل لها إذا كان متمسكًا بالمبادئ الدينية والأخلاق الحميدة وعلى درجة عالية من الاطلاع والخبرة.
مما لا شك فيه أن التحلي بالأخلاق الحميدة هو أساس النجاح في الحياة ووسيلة للوصول إلى أسمى الأهداف. وكما قال النبي محمد صلى الله عليه وسلم "إنما بُعث لأتمم مكارم الأخلاق".
يستند مفهوم التحلي بالأخلاق الحميدة إلى عدة ركائز تتضمن التمتع بالإيمان والصدق واللباقة والعدل والتواضع وضبط النفس والتسامح والصبر والأمانة والإقدام على قول الحق والتضحية.
مبادئ الشريعة بالنسبة لمهنة المحاماة
ذا أردنا التطرق إلى مبادئ الشريعة الإسلامية وعلاقتها بمهنة المحاماة، فسنجد أن صاحب التشريع الأول لهذه المهنة كان النبي محمد صلى الله عليه وسلم. وعن قول النبي صلى الله عليه وسلم "من مشى مع مظلوم حتى يُثبت له حقه، ثبت الله قدميه على الصراط يوم تزول الأقدام". رواه ابن أبي الدنيا وصححه الألباني في صحيح الترغيب. ويُعد هذا الحديث دليلًا على مشروعية العمل في مهنة المحاماة للدفاع عن المظلومين، حيث أكد الحديث على مدى عظم أجر من يُكرث نفسه للدفاع عن المظلومين.
لذا، فإن المحامي صاحب رسالة عظيمة تتمثل في كشف الحقيقة وتحقيق العدالة ونبذ كل مغريات المال في سبيل مساعدة القضاء في إرساء الحق.
أخلاقيات المحامي:
يجب أن يُكرث المحامي نفسه لنُصرة المظلومين، بغض النظر عما إذا كانوا فقراء أم أغنياء. ويتعين على المحامي/المحامية توفير مشورة صادقة والتمتع بسمات القيادة الحكيمة التي تؤهله لتسوية المنازعات على نحو موقر وفقًا لأحكام القانون. كما يجب ألا ينصاع/تنصاع إلى موكله/موكلته حينما يتعلق الأمر بالإجحاف وظلم الآخرين. وهذا تحديدًا ما أمرنا الله تعالى به في قوله تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم في القرآن الكريم "وَلَا تَكُن لِّلْخَائِنِينَ خَصِيمًا". الأمر الذي يُحتم على المحامي أن يضع حدًا للظلم ويُثبت الحق. وبخلاف ذلك سيكون قد حكم على أعماله بالفشل، حتى لو حقق العديد من النجاحات في طريق الظلم، لأن الله تعالى يُمهل ولا يُهمل.
يُعد المحامي هو صاحب الحكم الأول في القضية، حيث يتولى دراستها وتقييم الأدلة. وإذا وجد المحامي أن موكله على حق، فمن واجبه أن يتمسك بالدفاع عنه واضعًا في اعتباره الأخلاق الحميدة التي تميز المحارب الذي يتصدى لخصومه في سبيل العدالة، ويتجنب اتباع الأساليب الخبيثة والملتوية للانتصار على خصومه.
خلال المعركة التي يخوضها المحامي في سبيل الدفاع عن الحق، يجب أن يكون مقاتلًا ضروسًا ونبيلًا بكل ما تحمله الكلمة من معنى. حيث لا يجب أن يُجهز على خصمه (يستغل الموقف) في حالة استسلام الخصم أو فقدان بعض الأدلة التي تُثبت أن خصمه على حق. وإذا قرر المحامي استغلال الموقف وحصل على الحكم الذي يبتغيه من القاضي، فحينها سيكون قد أخطأ، وكما نقلت أم سَلمة عن الرسول صلى الله عليه وسلم، قال "إنما أنا بشر، وإنكم تختصمون إلي، ولعل بعضكم أن يكون ألحن بحُجته من بعضٍ، فأقضي على نحو ما أسمع، فمن قضيت له من حق أخيه شيئًا، فلا يأخذه فإنما أقطع له قطعةً من النار".
وفي سبيل التبرير للأمر، يرى بعض المحامين أنهم إذا قرروا التنازل عن الترافع في قضايا الموكلين الذين تبين أنهم ليسوا على حق، فقد يلجأ الموكلون إلى محامٍ آخر للترافع عنهم. يُفضل هذا النوع من المحامين جني أتعاب القضايا والتغاضي عن القسم الذي أقسموا به لخدمة العدالة وإعلاء كلمة الحق، ويغفلون عن أن الله هو الرزاق كما جاء في قوله تعالى "وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ". وكذلك في قول الله (جل وعلا) "وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ" وكما قال النبي صلى الله عليه وسلم "فإن الصدق طمأنينة".
يستطيع المحامي إقناع الطرف المدان بالإحجام عن الظلم والسعي في طريق المصالحة والتسامح. ويجب أن يواجه موكله/موكلته بالحقيقة وعدم الخوض في الباطل. حتى إذا خسر المحامي القضية، فلن تتضرر سمعته أمام القضاء، ومن ناحية أخرى سيُرضي ربه ودينه وهدفه من الحياة. يجب أيضًا أن يتذكر قول الله (عز وجل) "هَا أَنتُمْ هَٰؤُلَاءِ جَادَلْتُمْ عَنْهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَمَن يُجَادِلُ اللَّهَ عَنْهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَم مَّن يَكُونُ عَلَيْهِمْ وَكِيلًا".
خلال الممارسة العملية، تعاملت مع العديد من القضايا، من ضمنها السيناريو التالي على سبيل المثال: اتُهم رجل بانتهاك الأمانة وخضع للمقاضاة. وخلال الجلسة نفى التهمة المنسوبة إليه أمام المحكمة. وعندما حددت المحكمة موعد جلسة الدفاع أظهرت وثائق القضية أن الرجل مذنب بالفعل. حينها قررت استدعاء المتهم وعرضت عليه خيار الاعتراف بالجرم الذي ارتكبه، وعندها ستحرص شركتنا على إرجاع كل الأتعاب القانونية التي سددها مسبقًا. وإلا فسيتم التخلي عن قضية المتهم من جانب شركة المحاماة لدينا.
اختار المتهم الاعتراف بجريمته، وطلب مؤازرة المحكمة للنظر في تخفيف العقوبة؛ مشيرًا إلى أنه على استعداد للتعويض عن كل ما تسبب به. وخلال جلسة الدفاع، اقتربت من هيئة المحلفين وبدأت المرافعة في القضية. ليتفاجأ القاضي بي أُعلن عن اعتراف المتهم بجريمته وأنه يدعو الله أن يفتح له أبواب التوبة. وطالب المتهم عدالة المحكمة أيضًا أن تنظر له بعين الرحمة لتخفيف العقوبة، نظرًا لأنه اعترف بالتهمة المنسوبة إليه. وقد كان صادقًا في ندمه على جريمته وعاهد نفسه ألا يكررها أبدًا. فجأة، لانت ملامح وجه القاضي وطلب مني التوصل إلى تسوية مع المتهم. ورُفعت الجلسة إلى حين التسوية. ليُذكرنا ذلك بقول النبي صل الله عليه وسلم "فإن الصدق طمأنينة".
يستطيع المحامي إقناع الطرف المدان بالإحجام عن الظلم والسعي في طريق المصالحة والتسامح. ويجب أن يواجه موكله/موكلته بالحقيقة وعدم الخوض في الباطل. حتى إذا خسر المحامي القضية، فلن تتضرر سمعته أمام القضاء، ومن ناحية أخرى سيُرضي ربه ودينه وهدفه من الحياة. يجب أيضًا أن يتذكر قول الله (عز وجل) "هَا أَنتُمْ هَٰؤُلَاءِ جَادَلْتُمْ عَنْهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَمَن يُجَادِلُ اللَّهَ عَنْهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَم مَّن يَكُونُ عَلَيْهِمْ وَكِيلًا".
خلال الممارسة العملية، تعاملت مع العديد من القضايا، من ضمنها السيناريو التالي على سبيل المثال: اتُهم رجل بانتهاك الأمانة وخضع للمقاضاة. وخلال الجلسة نفى التهمة المنسوبة إليه أمام المحكمة. وعندما حددت المحكمة موعد جلسة الدفاع أظهرت وثائق القضية أن الرجل مذنب بالفعل. حينها قررت استدعاء المتهم وعرضت عليه خيار الاعتراف بالجرم الذي ارتكبه، وعندها ستحرص شركتنا على إرجاع كل الأتعاب القانونية التي سددها مسبقًا. وإلا فسيتم التخلي عن قضية المتهم من جانب شركة المحاماة لدينا.
اختار المتهم الاعتراف بجريمته، وطلب مؤازرة المحكمة للنظر في تخفيف العقوبة؛ مشيرًا إلى أنه على استعداد للتعويض عن كل ما تسبب به. وخلال جلسة الدفاع، اقتربت من هيئة المحلفين وبدأت المرافعة في القضية. ليتفاجأ القاضي بي أُعلن عن اعتراف المتهم بجريمته وأنه يدعو الله أن يفتح له أبواب التوبة. وطالب المتهم عدالة المحكمة أيضًا أن تنظر له بعين الرحمة لتخفيف العقوبة، نظرًا لأنه اعترف بالتهمة المنسوبة إليه. وقد كان صادقًا في ندمه على جريمته وعاهد نفسه ألا يكررها أبدًا. فجأة، لانت ملامح وجه القاضي وطلب مني التوصل إلى تسوية مع المتهم. ورُفعت الجلسة إلى حين التسوية. ليُذكرنا ذلك بحديث النبي صلى الله عليه وسلم "فإن الصدق طمأنينة".
وكمثال آخر من الممارسة العملية، كانت هناك قضية لسيدة أجنبية أُدينت بالتورط في جريمة جنائية تتضمن الخطف والاغتصاب والتحريض على الفجور والسرقة. ظلت حبيسة السجن قرابة ثمانية أشهر رغم براءتها من التهم المنسوبة إليها. ولم تكن الأدلة المتوفرة في صالحها نتيجة وجود أخطاء إجرائية وأخطاء في ترجمة لغتها (حيث كانت لا تتحدث العربية)، الأمر الذي أدى إلى تدهور موقفها أمام المحكمة. كما رفضت النيابة العامة ومحكمة القضاء المختص إخلاء سبيلها لحين ظهور أدلة على براءتها. في نهاية الأمر ظهرت العديد من الأدلة التي تدعم موقفها في القضية وكشفت الحقيقة، ليتفق الموقف تمامًا مع حديث النبي صلى الله عليه وسلم "فإن الصدق طمأنينة".
وختامًا للقول، نسأل الله (عز وجل) أن يرزق زملائنا النجاح ويهدنا إلى الطريق الصحيح وأن يعيننا على الدفاع عن الحقيقة ويجعل الصدق حليفنا.
المحامي
محمد السعدي